أعند الخلق لكن جابه الحب جابه= أحسبه في يديني وثرني في يديه


 إلى مني حكيت اكبر فضيحه = وإلى مني سكت أطفيت ضوي

قال الشاعر :

ضِدان لمّا اجتمعا حسُنا   = والضد يُظهر حسنه الضدُ 

يعتمد شاعر الرومانسية ، الشاعر الأمير عبد العزيز بن سعود السامر في بعض قصائده على إبراز أسلوب التضاد إما بين الكلمات أو بين الجمل أو الأبيات للخروج من دولاب التقليدية ، والروتين ، أو وسيلة لإبراز صورة أو معنى في جوقة القصيدة .

قال السامر في ذات قصيدة :

 بين عدل الزمان وبين جوره وميله = ليت شمس المحبة بكرت بالطلوع

يصل التمني إلى أقصاه ، ومنتهاه ، عندما يشعر الإنسان بحاجته الماسة لمنقذ يأخذ بيده للخروج من عباب الصراع .
وتمر ساعة الصفر وعينا العاشق تتأمل في سماء الشوق ، ترجو وتتمنى ، ولكن دون جدوى .. ولأن ساعة الصفر مرت فأنه أخذ يرسل التمني في ثوب الماضي .. لعل وليت أن شمس المحبة بكرت بالطلوع …

ويقول سامرنا :

أعند الخلق لكن جابه الحب جابه=أحسبه في يديني وثرني في يديه

الفارس عندما يصف خصمه يصفه بالقوة والجسارة حتى يعتقد السامع أن هذا الخصم لا يمكن قهره .. إلا أن الفارس يستدرك : لكني تمكنت منه .. عندها يعظم شأن هذا الفارس ..
وفارسنا وشاعرنا السامر لم يخفق قلبه إلا لأعند الخلق .. ولكن الحب كان الفيصل ..
ولكن صدمة شاعرنا الجميلة ايقضته وهو في يدي حبيبه .. ولكنها صدمة جميلة .. جميلة ..

  إلى مني حكيت اكبر فضيحه =  وإلى مني سكت أطفيت ضوي

زف هذا البيت لنا حبال الحيرة في شطريه .. أمران أحلاهما مر .. مشاعر كألسنة اللهب تزداد بوقود البوح ، وتنطفئ بموت الروح ..
يقول حاتم الطائي لغلام كان يخدمه :

  أوقد النارَ فالليل ليل قرُ    = إن جلبت نارك ضيفا فأنت حرُ

فهل نار معرفة الناس بهذا الحب الرومانسي أمرّ وأصعب .. أم برد وصقيع المشاعر ، وموت الأشواق !! …

ويقول السامر في رؤية ثاقبة ووعي فكري ولغوي :

ميلاد حبي موتتي .. وحياة موتي ما دنت= آخذ من الموتى لحبي والصبر روح الجل

د
الميلاد حياة جديدة ، وصباح مشرق بالتفاؤل والأمل والسعادة ، تذوب تحت قدميه وشائج الظلام ، وتتكسر بين كفيه سهام الغياب وحرقة الأشواق ، وصبر العشاق .. فكيف إذا كان هذا الميلاد يعلن عن صباح حب يافع ، ساق الموت بين أشواقه لمتيمٍ استبشر بهذا الميلاد ، وأقام من أجله الأعياد .. حتى ولو كان هذا الميلاد دعوة للموت .
يقول المثل الفارسي : \" الحياة حلم يوقظنا منه الموت \"
ويقول إليا أبو ماضي :

إن الحياة قصيدة ، أعمارنا  =   أبياتها والموت فيها القافية

ويرحل بنا السامر إلى مجال أرحب وأعمق :

يقرب وتبعد هقوتي .. وإليا ابتديت بها أنتهيت=  أبني ثرى أحلام الرجاء .. واليأس بكفوفه يهد

رغم أن هذا البيت يؤسس لنوع من التناسب الطردي في القرب والبعد ، إلا أن بعد الهقوة تقفز نحو دعوة التقارب من حيث رغبة القرب من الحبيب قلباً وقالباً .
وأكبر وأصعب ما يواجهه العاشق الصدمة الغير متوقعة من الحبيب وخصوصاً في الأبجديات الأول من مشوار التقارب واللقاء المرتقب ، فتكون تلك الصدمة بمثابة بداية ، ولكنها بداية النهاية لهقوة أزهرت وأينعت تحت سقف الشوق .
وهنا تتجدد العلاقة الأزلية بين الرجاء واليأس .. وهذا يثبت تمسك العاشق بمعشوقه لآخر رمق ، وهو يقتات على أشلاء الحب ..
يقول البحتري :
لولا الرجاء لمت من ألم الهوى لكن قلبي بالرجاء مؤمل
ويقول أحمد أمين :
\" اليأس لا يليق بكبار النفوس \"

والمتأمل لبيت السامر يجد أن الرجاء يمثل التفاؤل الذي زرعه في صدره .. بينما اليأس يمثله تجني الحبيب وبعده وقسوة قلبه ..
واليأس لا يليق بكبير نفس أتعب ركابه في بلوغ المجد والعزة والأنفة ….



وفي وقفه عاشق .. يقول لنا السامر :

راح العمر بين التصدد والاقبال = ومدري وش اللي يا هوى البال تعني 

في إفاقة من نشوة العشق ، يقف العاشق على تلك الأطلال من عمره الذي ذهب في لمح البصر ، بعد أن أمضى حياته بين الرفض والقبول من الحبيب .
يقول إلياس فرحات :
\" وما العمر إلا دمعة وابتسامة وما زاد عن هذي وتلك فضول \"
وقف على تلك الأطلال ليبكيها .. أم يقتات على ذكرياتها الأليمة والجميلة ليعيش بها في حاضره الغير واضح المعالم ، إلا أن علامات الاستفهام خرقت جدار الصمت وذهبت في سرب كسرب الحمام لتتساءل عن مراد الحبيب في هدوء العاشق ورقة المحب …

وعندما تسبر أبيات السامر تجدها تفوح برائحة البادية وقيمها ومبادئها الأصيلة لذا يقول :

أتبعك راحل يا حبيبي ونزّال=حبٍ يريضني .. وحبٍ دفعني

الرحيل ديدن البدو الرحل بحثاً عن مواطن الأمطار ومربى العشب .. و سامرنا كان رحيله في أبياته بحثاً عن مواطن أمطار الشوق ومربى عشب المشاعر والذي لا يمكن للحبيب إلا العيش في مثل هذه الأجواء .