مرت القصيدة العامية في الجزيرة العربية في عصرنا هذا بعدد من النقلات النوعية ، بعد أن كانت غارقة في كلاسيكيتها ..

فبعد أن كانت القصيدة تفتتح بوصف الراحلة التي تحمل الرسالة .. أصبحت تتناول الموضوع مباشرةً دون مقدمات .. وبعد أن كانت تعتمد على طول أبياتها .. أصبحت لا تتجاوز عشرة أبيات غالباً ..

إلا أن هناك عدداً من الشعراء الذين كان لهم زمام المبادرة في إخراج القصيدة من هذه الكلاسيكية .. المتمثلة في ألفاظها الفخمة ، وصورها المستهلكة ، وترهلها الملحمي .. إلى مجال أرحب وتطور فني أدق وصورة أعذب .. ولعل أقربهم إلى هذا الزمام الشاعر الأمير عبد العزيز بن سعود بن محمد بن عبد العزيز آل سعود ( السامر ) الذي كان له دور ملموس في ذلك الخروج الموفق .. مما أعطى القصيدة هوية جديدة .. وصورة أرقى حملتها إلى مجال الأغنية ..
يقول \" السامر \" في إحدى قصائده المغناه :

لف شرطان الذهب فوق المتون   =لفها يوم التوت فوق البياض         


خاف غضات الصبايا يزعلون      =سيدات البيض ما فيها اعتراض      


إن حكى غصبٍ عليهم يسكتون  =وإن سكت تسكت معه كل الرياض   


يا جماعه يوم سلهم بالعيون    =قال يا رمشي من \" السامر تقاض     

وهذه القراءات الانطباعية التي بين يديك ليست إلا مقاربة للدخول في معالم بعض النصوص الشعرية في تجربة \" السامر \" .. وما دفعني لمثل هذه القراءات هو اتساع فضاء الرؤية في القصيدة لدى سموه ، فمعالم النص ترحل بك إلى أبعد من مجرد القراءة إلى معالم لغوية وفنية وجغرافية وتاريخية واجتماعية … الخ

وعندما نقترب من تجربة \" السامر \" الشعرية تتضح لنا كثير من الأسرار التي كانت باكورة إلهام لسموه في خوض غمار القصيدة العامية .. فوجوده في بيت شعر كان الركيزة الأولى والنبع الأغزر الذي استقى منه رؤيته وتطلعاته الشعرية .. فتجربة والد سموه الأمير سعود بن محمد بن عبد العزيز آل سعود الشعرية تعد من التجارب التي وضعت لنفسها بصمة واضحة في مسيرة الشعر العامي في الخليج العربي .. فضلاً على أن \" السامر \" من الشعراء الذين يمتلكون حساً مرهفاً وجياشاً استطاع الوصول به إلى فضاءات متقدمة في معالم القصيدة العامية المعاصرة ..

فقصائد \" السامر \" تحمل عدداً من الصور الفنية واللغوية التي تعد كالصدمات المخضبة بالإبداع والتي بدورها تستفز لديك الجانب الشعوري :

كان ما جت لي على أحسن ما يرام =وصارت أيامي بوصلك زاخرة 


قلت يا صبح السعد هاك الظلام =ما يضر البحر جرح الباخرة 

وتميز \" السامر \" في جانب الغزل كان بمثابة جواز السفر للتميز في الجوانب الأخرى من أضرب الشعر .. إلا أن الغزل كان له الحظ الأوفر في هذه التجربة الشعرية ..

وأنا هنا أحاول أن أضع نقطة خضراء في الكفة الأخرى للوصول إلى بعض الكنوز الشعرية في تجربة \" السامر \" .. ومتيقن أنني لم أصل ولو لواحد في المئة من هذه الكنوز ، ولكن هذا جهدي المتواضع حيال تجربة شعرية سامقة ..

تأليف :
محمد بن حمدان المالكي